عودة سندباد...!

نشأ “السندباد” بين قومه طفلا وادعا آمنا،محببا لكل الناس، ذا مكانة مرموقة بين قومه وخلانه…إلاأنه سرعان ما بدت عليه مخاييل النباهة والذكاء،وارتسمت بين عينيه صورة رجل المستقبل.

تفطن أهله مبكرا لكل ما تختزله شخصيته الفريدة،فحاولوا الاعتناء به، وربوه تربية خاصة،فلم يبلغ سن الثالثة حتى بدأ يأخذ طريقه للتعلم،فحظي في جلساته الأولى باحترام  أستاذته وزملائه،  فانقسم  الزملاء حوله شيعا شتى، بين خل معجب،وحاسد حاقد، وثالث ليس هذا ولاذاك
بدأ “السند باد” مشواره التعليمي وهومايزال ضغيرا،فكان يحوز قصب السبق كل سنة بلامنازع … مما جعل الطلاب يتنافسون على كسب وده وصداقته، فضلا عن تلك النظرة الطيبة التي بات الجميع ينظرإليه بها .
وفي يوم من أيام الدينا “العصيبة” خرج “السندباد” رفقة مجموعة من زملائه إلى الشاطي لاستنشاق النسيم بعد سنة دراسية مليئة بالجد والتعب،فاختطفه أعوان الملك الأرعن “خريانوس” ،الذي أقسم جهده ألا يدع  طفلا ذكيا في زمنه سجنه أوقتله، مخافة أن يدبرله كيدا ينتزع بموجبه مقاليد سلطته التي ورثها أبا عن جد،خصوصا أن المقربيين من عرًافيي الملك أكدوا له أن نهاية حكمه ستكون على يد طفل من مواطنييه يحمل ـ ضمن صفاته ـ الذكاء والرزانة والهدوء.
كان الملك “خريانوس” ملكا أحمق تقلبه حاشيه ورجاله كيف ماشاءوا، ومتى ما شاءوا… يألبونه ضد من يخالفهم التوجه والرأي، ويصفون من يخالفهم التوجه بالحماقة وعدم سداد الرأي.
فبما أن “خريانوس” كان ملكا في غاية الحماقة والسذاجة، كان يصنف العقلاء على أنهم حمقاء، نتيجة عدم إدراكه لماهم عليه من العقل والسمو والرزانة وعلو الشأن.
كان “للسندباد” مع جلاديه من جنود الملك  “خريانوس” حكايات فظيعة مؤلمة،بدأت باختطافه إلى جهة مجهولة ولم تنته بممارسة أبشع أنواع الإهانة والتعذيب ضده، فكانوا يغرقونه في بحرالعذاب والإهانة والتنكيل حتى يصل إلى القرار،إلا أن والدته ـ لما علمت بالأمرـ رغم جزعها عليه،لم تقنط من عودته، فكانت تقول لأخواته “انظروا هل عاد “السندباد” ،لكنهم لما ينظروا يعودون بكلمتهم المعهودة “لم يأت”.
ظل “السندباد” صابرا محتسبا حتى شاءت الأقدارأن يلتقي ببعض مواطنيه الذين تجرعوا الكأس  ذاتها من “خرياسونات” الممالك الأخرى، فكانوا يقبعون في زنان متقاربة،وكانوا يتحدثون عن مصيرهم،إلا أن الهاجس الأكبر الذي كان يؤرقهم هوحجم المأساة التي يعانيها الأهل، خصوصا أن معظمهم أختطف دون علم أهله.
مرت السنون و”السندباد” يعاني الإبعاد والإهانة والضياع،وهو رهين محبسيه السجن، و”التيه”، حتى جاء ذلك اليوم الذي تغير فيه وجه المملكة “الخريانوسية”، فأطيح بالملك من قبل قائد جنده، وتعاقب على المملكة ملوك مختلفون،إلى أن جاء الملك الجديد الذي كان يعده بعض المواطنيين “الخرياسيين” أكثر تقربا للشعب من الحاكم الأول،بسبب كثرة وعوده التي لم يف بشيئ منها،فهم بالبحث عن “السندباد” لكن ثلة من فلول نظام “خريانوس” الأول حالت دون ذلك، لأن عودة “السندباد”  بالنسبة إليها تمثل حقبة من تاريخها الأسود، الذي ارتكبت فيه كثيرا من الأخطاء ضد شعبها.
غيرأن المفاجأة أن “السندباد” عاد هذه المرة،وقد أختفى السجان وأفل نجمه،وجرد من سلطانه،ولم يتبقى منه في ذهن الشعب سوى تلك الصورة القاتمة التي ترتبط في الأنا الجمعي “للخريانوسيين”،بالظلم والتعسف والجور والطغيان.
جاء “السندباد” ،و خاض كثيرا من المغامرات لكنها في السجن وليست في البحر، وأصبح  رمزا للكرامة والعزة والشهامة … وليس رمزا للنهاية  ولللا عودة … جاء إلى بلاد أحبها وأحبته … إلى بلاد ما فتأت تذكره إلا بخير… إلي بلاد ترحب به أيما ترحيب،وتصب من لعناتها على “خريانوس” قدر ماعانيت من الظلم والحرمان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق