قربان الآلهة

في ذلك العام الحزين،أقدمت الحكومة ” الطائعية ” على تسليمه لسادتها الأقدمين ، قربانا للآلهة وجنابها المقدس … أتدرون لماذا كل ذلك ! هل لأنه خرب البلاد، وأذل العباد … هدد السلم الاجتماعي للوطن … نهب خيراته، سمكه ، حديده، نفطه … أشاع الفوضى ، أقام علاقات مشبوهة مع عصابات الإجرام وتبييض الأموال … ؟

لم يكن محمدو ولد صلاحي من أولئك ولا ينبغي له أن يكون … حاشه من ذلك، ذ نبه الوحيد الذي جعله رهين قيود الروم طلية عقد و يزيد، أن القدر كتب عليه أن يكو ن من أبناء موريتانيا العبقريين البررة، الذين لم تتلطخ صحائفهم البيض بأكل المال العام يوما، ولم تصدح حناجرهم بتمجيد “الطاغية” يوما، في الوقت الذي علت فيه أصوات العلماء، و”المسقفين” الببغاويين من كتاب وأساتذة،وسياسيين، وصناع رأي عام ،ولم يصدر في حياته “ملتمس تأييد ومساندة” للفخامة الوطنية،في الوقت الذي كان فيه “بنو فلان” يصفقون ن ويطبلون للنظام قبل أن يلعنوه. نعم، إنه ولد في الوقت الخطأ، و في الزمن الخطأ… في زمن كان فيه المؤمن منافقا، والمنافق مؤمنا،والمسلم كافرا،و الكافر مسلما،والعالم جاهلا،والجاهل عالما، والعبقري بليدا، والبليد عبقريا … زمن المتغيرات والمتناقضات، زمن لا مكان فيه للعباقرة والأذكياء … زمن ساد فيه القوم أرذلهم ،وبات من يخالفه التوجه يصنف على أنه إرهابي متشدد لا خير فيه ،لمجرد أنه يباين “القيادة الحكيمة”في توجهاتها.
من ذا الذي يصدق اليوم تلك الأكاذيب والافتراءات التي بموجبها سلم النظام “الطائعي” شابا من خيرة أبناء موريتانيا للأمريكان،لمجرد أنه درس متفوقا في ألمانيا، ورسم صورة مشرقة لبلاد ” المنارة والرباط” عند الأوربيين، في الوقت الذي كان النظام “الطائعين”وشرذمته الخبيثة ، يحاولون رسم صورة قاتمة تتركب معالمها الأساسية من الظلم ،والجور،والنهب،والخيانة والغدر. عملية التسليم القذرة تلك تمت بتحالف الثلاثي “المقيت” دادهي ولد عبدالله رئيس المخابرات،واعل ولد محمد فال مد ير الأمن، ومعاوية ولد الطايع رئيس الجمهورية . نسي الرئيس معاوية أن المهندس الشاب محمدو ولد صلاحي هو أول من أدخل الإنترنت للقصر الرمادي.
و بدل الاهتمام به كفاءة علمية جديرة بالاحترام والتقدير،سلمه العقيد “معاوية”قربانا لآلهته الأمريكية،في خطوة أقرب ما تو صف به أنها”جزاء سنمار”. سلمته يد الغدر والخيانة تلك، بعد فترة وجيزة من زواجه،غير آبهة بمشاعره ولا مشاعر زوجته وأمه، بل تعمدت أسلو ب مكر خبيث ،وكانت تقول لأهله إنه موجود في موريتانيا ويخضع لتحقيق بسيط ، وسيطلق سراحه قريبا،قبل أن تصل رسالته الأولى من زنزانته ــ وهو يقبع ــ في “اغوانتناموا”، وهي الرسالة التي كادت ان تؤدي بحياة والد ته حسرات عليه.
غير أن الغريب في الأمر أن ” رئيس الفقراء ” وعد مرات ومرات، باستعادة ولد صلاحي بعد أن برأته محاكم الظلم الأمريكية، وهو مالم يتم بالفعل حتى اللحظة، و تلك جريمة لا تغتفر، وليست أقل من جرم التسليم أصلا. قد يحاو ل البعض من مسطري ذلك التاريخ “الطائعي” أن يبرر تلك الفعلة الشنيعة التي ارتكبها النظام بالقول إن معظم الدو ل العربية شهدت تسليمات مماثلة،وهو ما نسلم به جدليا، لكن ألم تستعد معظم تلك الدول مواطنيها بشكل أو بآخر ؟.
معظم تلك الدول استعادت مواطنيها في محاولة منها لغسل عار تلك التسليمات، وهو ما على الحكومة الموريتانية أن تقوم به لتغسل وصمة العار المرسومة على جبين التاريخ المورتاني الحديث.
أما أن يتعمد النظام على تركه وحيدا يواجه مصيرا مجهولا ومعتما، فذلك ما لا يتماشى مع سياسة نظام يدعي “رفع شعار الإنصاف والعدالة،ومحاربة الفساد”.
مهما حاولت يد الغدر والخيانة إبعادك ،ورميك في سجون الأمريكان ،خلف سراديب الحرمان والنسيان، فإن لك في أرض موريتانية الحبية ناسا يحتفظون باسمك وصورتك المشرقة، و يرفعونها وسام شرف على صدورهم … ولن يستطيع أي نظام قمعي مستبد أن ينتزع من أذهانهم تلك الصورة المشرقة التي رسمتها لنفسك … لن يستطيع أن يسرقها كما سرق الحديد،والنفط،والذهب … ولن يستطيع تسليمها للأمريكان كما سلمك… دمت بطلا فك الله أسرك وأعادك إلى وطنك سالما معافى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق