خواطر رئيس

بدت شمس الثالث عشر من أكتوبر ، وكنت متعبا ومثقلا بالتفكير في الأمور السياسية، فقررت الذهاب في رحلة استجمامية، بعيدا عن القصر وضوضائه، وعن التجاذبات السياسية القائمة هناك.
قضيت سحابة يومي داخل الحديقة، وكنت أحتسي كؤوس الشاي الجميل .


هناك في عالم الصفاء كنت أطلق العنان للفكر ليرتاد عالم الحلول ويزودني بحلول لمعضلاتنا السياسية القائمة .
مرت الثواني بسرعة ،وبدا ضوء الشمس خافتا ، فقررت العودة للقصر، وقلت في نفسي ،لما التهرب والتنصل منا لهموم السياسية ،وأنا الجلد الصبور الذي يسوس الرعية بحكمة ؟
كفي هربا من القصر لا ندري ما الذي حدث بعدنا فيه.
دخلت السيارة وأمسكت مقودها، وبدأت الشكوك تتسلل الي ، ماذا لو حدث شيء ما لا قدر الله ؟
طرت الوساوس وواصلت سيري ، وفجأة ظهر أمامي عسكريون توشحون بنادقهم فاستوقفوني لكنني لم أتوقف،فقد تعودت أن أصدر الأوامر لا أن أتلقاها.
كان ما كان وحمدت الله علي السلامة ، لكنني كنت أقول في نفسي ماذا لو علم أعداؤنا السياسيون بما جري ؟ وهم من اتهمونا ـ ونحن في كامل الصحة والعافية ـ بالعجز عن سياسية البلاد؟
هل سيوظفونه في مزايداتهم السياسية ؟
كنت قد سمعت في سالف الأيام أنا البلاء موكل بالمنطق لكنني لم أسمع قط أنه قد يوكل بالتفكير أيضا .
كنت قد أكدت منذ اللحظة الأولي أن إصابتي كانت طفيفة ، لكن خصومي السياسيين لم يصدقوا ذلك ، بل زادهم ذهابي للنقاهة في “بيرسي” شكا.
كان بعض خاصتي قد أشار الي أن كمل علاجي هنا حتي لايكون للأمر صدى أكبر ، فقلت له : مكره رئيسك لا بطل .
كان الإخوة هناك في “بيرسي” قد أعدوا العدة لإكرام وفادتنا ، ولم يبخلو علينا بشيئ .
هاجسي الوحيد الذي كنت أفكر فيه طيلة مقامي في بيرسي هو أنه ذلك المستشفي الذي توفي فيه عرفات ، لكن عزائي الوحيد أن المساواة لا تجب ، وأن لكل قدره .
كنت كلما أفيق كل صباح أسال ماذا جري في انوكشوط ؟ ما هو  الصدى الذي يتردد من هناك ؟أي تحرك تنوي المعارضة القيام به ؟
كانت المعلومات التي تصلنا تفيد أن المعارضة علقت نشاطاتها حتي حين ، وأن كثيرا من المحللين والمراقبين باتوا يتحدثون عما جري بوصفه يشكل نقطة تحول لسياساتنا القادمة.
من الذي أدراهم بذلك ؟ وأنا من أوصي كبير السُلط قبل ذهابه ،أن تعاملوا بحكمة مع يجري ، لكن لا تطلق العنان للعامة والدهماء ، فهي أشد ما تكون خبثا لحظة غياب الأمير.
قضيت شهرا ويزيد ، وها أنا قد عدت ، واستقبلني كل الشعب ، في رسالة صارخة للمتهمين بعجزي ، والمطالبين برحيلي.
ها أنا قد عدت وقد فكرت مليا في أقوال المحللين والمراقبين، الذين تنبؤا بتغير رؤانا السياسية في المستقبل ، فتجاذبني توجهان مختلفان ، أحدهما يدعوني لمراجعة سياساتي السابقة والنظر بعمق في مختلف جوانبها ، ويطالبني بمزيد من الإصغاء للطيف السياسي .

أما لأخر فيلح علي قائلا: ما الفائدة من العمل بتوجيهات الغير ، ؟ لما لا نصدرعن أنفسنا دائما ، ؟ أي قيمة لظلال الأخر في توجهاتنا ؟ لن نكون ببغا يردد ما يقوله الآخرون هذان هما التوجهان الذان ظلا يتصارعان داخل فكري فيتحجج كل بما لديه ، إلا أنني ـ وبعد تفكير عميق ، ووعي تام ـ قررت اختيار الرأي الأخير مقتنعا أن الكائن مقدر وأن الأمور بيد الله.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق