هو أعظم من ذلك...!

كنت قد طالعت بحر الأسبوع الماضي كتابا مثيرا وممتعا وجميلا،يحمل عنوان “عظماء المائة” أو ” المائة الخالدون”، وهومن تأليف “مايكل هارت” وهولمن لا يعرفه، كاتب ومفكر يهودي أمريكي،من مواليد الثلاثينيات،حاصل على شهادات عدة في اختصاصات من بينها علم الفلك،والفانون،والرياضيات

خصص “هارت” كتابه لمائة شخصية قال إنها غيرت مسار التاريخ وأحدثت انقلابا فكريا في مجالات الحياة المختلفة.
كان اختياره لشخصياته قائما على أسس معينة ،كأن تكون الشخصية مؤثرة فعلا، وأن تكون حقيقية ،خلافا لشخصيات التي كان لها تأثيرها لكنها غير حقيقية ،كالحكيم الصيني “تيتو” والشاعر الإغريقي “هيمروس”.
لم يعن “هارت” باختيار شخصياته على أساس الخيرية والفضيلة، ولا حتى العلمية،وإنما على أساس التأثير الذي أحدثوه في مسار التاريخ كما يقول،لذا عد من بين شخصياته عبقرية شريرة مثل هتلر،وعلمية مثل إسحاق نيوتن،ودينية مثل المسيح.
رتب الرجل عظماءه طبقا لمدى تأثيرهم ،وكان اللا فت بالنسبة لي انه بدأهم بالحديث عن أعظم هؤلاء، ملهم البشرية ومنقذها محمدا صلى الله عليه وسلم.
اعتراف كهذا من رجل كهذا، يعني أن محمدا عظيم حقا، إنه أعظم من ذلك يامايكل وذكره وعظمته يتجددان على مرالأيام.
صراحة لا أفهم مالذي يعنيه مايكل بالعظمة ولا بالعظماء، إذا لم تكن العظمة عنده مرتبطة بالمعنى الإيجابي
أليس من الإجحاف والحيف أن يقدم “هارت” مائة شخصية منها الصالح والطالح إلي جنب أعظم شخصية عرفها التاريخ ، ثم يتحدث عنها على قدم المساواة ويصفها بالعظماء؟.
العظمة في كنهها وحقيقتها مجموعة قيم،وبقدر اتصاف المرء بها ووفائه لها تكون عظمته، ومن الحقيقة بمكان أن محمدا يرتقي قمة هذه العتبات؛بل وفوق القمة… وقد حاول “هارت” أن يجعل بعضا من رجالاته تجلس مع العظيم الفعلي ،وهي في الحقيقة لما تتجاوز العتبة الأولى.
لا أستسيغ ما الذي حدا بالرجل للحديث عن شخصيات مثل هتلر وآخرين بين صفوف العظماء، أكان ذلك تدليلا على عظمة محمد، أم تحقيرا لمن ليسوا كذلك أم ماذا ؟
على أية حال يبقى العظيم عظيما مهما استخدمت ضده مقاييس الحيف والجور،ويبقى الخسيس خسيسا مهما دس في صفوف العظماء.
أستطيع تخمين الأسباب التي دفعت الرجل لتصنيف هتلر ونيوتن ضمن قائمة العظماء.
قد يكون “هارت” من المعجبين بأفكار وخطط الزعيم هتلر،وهو رجل قوي شجاع استطاع أن يجرع أعداءه كؤوسا مترعة ذلا وهزيمة، لكن هذا لا يمثل سوى جانب واحد من العظمة هو الشجاعة.
أما الدافع الذي جعل “هارت” يسم نيوتن بالعظيم فلعله فيزياؤه الكلاسيكية التي باتت  في حكم المسلمات وأصبح الطفل يناغي بها إلى جنب كلمات “بابا” و”ماما”.
لكن مثار استغرابي وحيرتي هي ذلك السر الذي جعل “هارت” يقول إن محمدا عظيم العظماء،أكان ذلك بجماله الذي يخجل الشمس والقمر؟ أم بشجاعته التي هي كالجبال صمودا في وجه الأعداء ؟ أم بأخلاقه التي هي أرق وألطف من النسيم ؟ أن بعلمه إذ هو منبع كل العلوم ؟
إن عظمة هؤلاء أو شهرتهم ـ على الأصح ـ رهينة سبب محدد متى مازال زالت هي الأخرى،لذلك أتحدى أي شخص يستطيع أن يحدثنا عن هتلر قبل أن يهزم دول المحور،وكذا من يستطيع أن يمدنا بمقتطفات ـ ولو يسيرة ـ من حياة نيوتن قبل أن يكتشف قانون الجاذبية، لا شك أن حياة هؤلاء كانت حياة الخمول والنسيان.
أما محمدا فقد ولد عظيما وتوفي عظيما ومازال عظيما، وسيبقى عظيما ،لأن مصدر عظمته الاصطفاء الإلهي، وليست مرهونة بشيء تزول بزواله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق